المنفضة البرونزية

بسم الله الرحمن الرحيم



كانت السهرة بريئة في النادي

ومع ذلك فقد انهمكت خلال عودتي في إيجاد قصة مناسبة لزوجتي

أبرر بها رجوعي في الواحدة مساء

فاللقاء بأعز زملاء الدراسة في الجامعة حدث بالصدفة

وبلا ترتيب مسبق

وكان ينبغي أن أتصل بها تليفونيا لكن الذكريات المرحة جرفتنا

حتي جاوز الوقت منتصف الليل



ماذا أقول لزوجتي

سديق لس أصيب بأزمة صحية واضطررت لحمله للمستشفي

مثل هذ القصة قديمة جدا

فلقد كثر عدد الأصدقاء الذين يصابون بأزمات صحية ليلا

وكثر أيضا عدد الأوفياء الذين يصحبونهم للمستشفي

وكما أن زوجتي لا تكذب

وهي لا تكذب _ كما تقول _ إلا ساعة ما تمدحني أمام الناس !!!



هل أقول لها أن السيارة تعطلت

أكذوبة جاهزة دوما علي لسان كل زوج متأخر

فلأبحث عن كذبة متقنهة فيها تفكير ومعاناة

فكل الناس يكذبو

لكن فقط من يبدو عليهم الصدق هم من يحسنون الكذب



فجأة ابتسمت في دهشة

كيف فاتني هذا

كيف غاب عن خاطري

زوجتي سافرت عصر اليوم معالأولاد

غمرني إحساس عارم بالرحة لإعفائي من الكذب

فالكذب عبء ثقيل كالحقيقة تماما



دخلت البت أضأت الأنوار رحت اتجول بين الصالة والمطبخ وغرفة المعيشة

وما أن وقع نظري علي المنفضة البرونزية حتي اتجهت نحوها

هذه المنفضة رأتها زوجتي ذات يوم في أحد المتاجر

استطلعت رأيي . تعجبني جدا

دخلنا اشترينها ....كانت سعيدة بها جدا



في البداية رجتني زوجتي ألا أطفئ فيها السجاير

- لماذا ؟

- - هناك منافض كثيرة فما الداعي لتلك المنفضة إذن ؟



لم ألق بالا إلي رجاء زوجتي وما لبث رجاؤها أن تحول الرجاء

إلي فعل أمر ثم إلي إنذار

وفي المرة الأخيرة منذ عام قاطعتني زوجتي طويلا لأني أطفئت فيها السيجارة





سعيت لإزالة تلك الجفوة والخصام وناقشتها

وكالعادة

كانت الكلمة النهائية هي كلمتي

" كيفما تشائين "



وتعهدت ألا أطفئ السجائر فيها

وكانت زوجتي تسعي ددوما لقطع العلاقات بيني وبين تلك المنفضة

فإذا سرت في اتجاه المنفضة

سارت زوجتي ورائي عدة خطوات

وتوقفت لتري هل سأطفأ السجارة بها أم لا ؟





وإذا خرجت تركت الكلب في رعايتي

وبهتني علي ضرورة ألا يقترب الكلب من المنفضة

وأنا أفهم معني التحذير الموجة للكلب !!!



أصبحت المنفضة شيئات بغيضا في حياتي

وعندما همست بمتاعبي لصديقي يوسف

لامني كثيرا علي الاستسلام المبكر ف قضية المنفضة

فالقضية ليست قضية المنفضة بل قضية سيادة الرجل أو المراة

ونصحني بتفجير الموضوع

وأعطاني كتابا لمؤلف فرنسي عنوانه

" سيادة الرجل "

ساذج والله يوسف هذا

كتاب بهذا العنوان لا يمكن أن تجده سوي في ركن الخيال العلمي

ولكن كلماته حفزتني لأن أعيد فتح الموضوع

لا بد من سبب قوي لمنعي منها

سأناقش زوجتي وسأفلح في إقناعها

وعندما اععدت نفسي للمناقشة الحادة دخلت زوجتي وبلهجة صارمة

- هل استخدمت المنفضة ؟

ولأني برئ فقد قلت في تلقائية

لا والله العظيم

عندها قررت شطب موضوع المنفضة تماما

وعدم مناقشتها فيه

**

والأن وقد سافرت هي والأولاد

أحاول كسر حاجز الرعب بيني وبين المنفضة المحرمة



لماذا منعتها زوجتي ؟

هناك المزيد من المنافض الغالية

فلماذا هذه بالذات ؟





شعرت برغبة قوية أن أدخن وألقي فيها الرماد

لكنني قاومت تلك الوسوسة

انسحبت إلي غرفتي

عاودنتي تلك الرغبة

لكن غلبني النعاس

في الصبح جاءت أم سليمان لتنظيف المنزل

وكنت جالسا بجوار

المنفضة المحرمة

وفي يدي سيجارة

جاءتني بقهوة الصباح فوجئت بها تتجاهل المنفضة البرونزية وتعطيني واحدة غيرها





ما الذي حدث ؟ هل خولت زوجتي سلطاتها

لأم سليمان

هممت ان أسألها

دلكن تراجعت

فليس من اللائق أن أنزل بقضيتي لهذا المستوي



لم تعد تلك المنفضة اللعينة تغيب عن بالي

لقد باتت أمنية غالية لي أن استعمل المنفضة

عندما اختفيت من جلساتي مع اصحابي

ظنوا أني أشئ استخدام حريتي

لكن الحقيقة أني كنت أقضي الليل في بيتي

أحاول كسر الرهبة بيني وبين المنفضة





حتي كانت تلك اللحظة الحاسمة

قررت أن أشعل سيجارتي وألقي الرماد في المنفضة

ثم

دق جرس الهاتف

كانت زوجتي

بعد التحيات والسلامات

- ماذا تفعل

- ف البيت لا شئ

- أين تجلس

- .....

- أمام المنفضة بالطبع لتذكرك بي

- طبعا طبعا

- أنت أمام المنفضة ؟؟

- نعم

وجدت نفسي لا إراديا ألتقط عود الثقاب الذي ألقيته بها

ووضعته في جيبي كأنيه أخفيه منها

- هل تدخن

- نعم ....لكن أقسم بالله لا ايتعمل المنفضة البرونزية



انتهت المحادثة

وانتهت القضية بالنسبة لي تماما



***

لقد أتيتم بي هنا أيها السادة

في تلك النوة لأحكي لكم

كيف حدثت المعجزة

وكيف قهرت كل الصعاب التي بداخلي

كيف فعلتها

كيف أقلعت عن التدخين !!



نهارك سعيد

أحمد رجب