يُحْكى أنَّ عائلةً فقيرة كانت تعمل عند إحدى العائلات الغنية في مواسم الزرع والحصاد ، وكانت قد نصبت خيمتها بالقرب من منزل العائلة الغنية التي يعملون عندها ، وكان للعائلة الفقيرة ابنة جميلة تساعد أهلها أحياناً في عملهم عند تلك العائلة ، وقد رأى تلك الفتاة ابنٌ وسيمٌ للعائلة الغنية وأراد أن يعبث بها ، فأخذ يتودَّد إليها، ويحاول التقرب منها بمعسول الكلام ، ولكنها أخبرته بأن ذلك لن يكون ولن يتمّ إلا بالزواج ، وقالت له : إذا أردتني بصحيح فاطلب يدي واخطبني من أهلي .
وحاول الفتى مرّات ومرّات ولكن محاولاته كلّها باءت بالفشل ، ولم يتغير موقف الفتاة منه ، فيئس منها وقرر أن يجرح كبرياءها ويهدّ من معنوياتها ، خاصة بعد أن تأكد له أنه لن يستطيع إغراءها لا بالمال ولا بالكلام ، ورأى أن محاولاته لن تجدي معها نفعاً ، فنظر إليها بإزدراء نظرة فيها علوّ وكبرياء وأجابها ببيت من الشعر العاميّ يقول فيه :
بنت الرّدِي(1) لو زَهَتْ بالعين ما يسند(2) الراس طِرْيَاهَا(3)
وأنا اللي رَمَاني عليها الزّين(4) شِلْـوِة(5) ليالـي وأخَلِّيهَـا
وهو يقصد أنها ليست ذات أصل حتى يتزوجها ، ولكن ما جذبه إليها هو الجمال وحده وليس أي شيءٍ غيره ، وبكت الفتاة بدموع حارة سخينة فليس ذنبها أنها ولدت لعائلة فقيرة ، وليس الفقر في حدّ ذاته عيباً ، ولكن فرحتها كانت أكبر من كل تصوّر لأنها استطاعت ردع ذلك الشاب الطائش ، وحافظت بذلك على شرفها وعفافها وشرف عائلتها الفقيرة المتواضعة . وبذلك وضعت حدَّاً لمحاولات ذلك الفتى الطائش الذي ذهب في حال سبيله ولم يعد يعاكسها مرّة أخرى .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) - الردي : الرديء من الناس .
(2) - يسند الرأس : أي يرفع الرأس
(3) - طرياها : أي ذكرها ، وأطرى الشيء أي ذكره .
(4) - الزين :الجمال ، يقال امرأة مزيونة أي جميلة .
(5) - شلوة ليالي : أي عدة ليالي .